الحدائق النباتية

botanic-garden

الحدائق النباتية

الحديقة النباتية عبارة عن مساحة من الأرض محططة بنظام معين وتحوي العديد من النباتات بمختلف أنواعها واشكالها وأحجامها موزعة في مجموعات وفقاً لنظام تصنيفي معين، حتى يسهل دراستها والتعرف عليها، ولتحقق في الوقت ذاته شيئاً من الهدوء والراحة المتبعة لروادها.

إذاً فالحدائق النباتية هي تلك الحدائق التي تحوي عدد كبير من المجموعات النباتية المختلفة سواء من النباتات المحلية الخاصة بالبيئة التي ستنشأ فيها الحديقة أو من النباتات المستوردة من بيئات أخرى، وذلك لدراسة هذه المجموعات من جميع الوجوه: الفسيولوجية - الموفولوجية - الوراثية وتفاعل تلك التراكيب الوراثية المتنوعة مع الظروف الجوية للبيئة التي ستزرع فيها، هذا بالإضافة إلى دراسة موقعها من التقسيم في المملكة النباتية وما إلى ذلك.

ويشترط في الحدائق النباتية أن ترتب النباتات المنزرعة بها في مجموعات تبعاً للعائلات وللأجناس مما يسهل للدارس أو الباحث التعرف على خصائص وصفات كل عائلة وكل جنس والمقارنة بينهما، في الوقت الذي يسهل أيضاً معرفة مدى إمكانية إجراء عائلة وكل جنس والمقارنة بينهما، في الوقت الذي يسهل أيضاً معرفة مدى إمكانية إجراء عمليات التهجين قريبة من أبويها.

وعادة تنجح نباتات الفلورا الوطنية للبلد الذي ستقام فيها الحديقة النباتية - ولكن الصعوبة تكمن في إنجاح النباتات المستوردة من بيئات أخرى، إذ يتوقف نجاحها إلى حد كبير على الظروف الجوية للمكان الذي ستزرع فيه، وهنا يظهر دور الصوب ففي البلاد الباردة مثلاً يجب الاعتماد على الصوب المدفأة نظراً لشدة البرودة ( كما هو الحال في حديقة كرستينا النباتية في النرويج ) - بعكس ما هو حادث في حدائق لوتنزوج النباتية في جزية جاوة حيث تشتد الحرارة فتكون الحاجة أكبر للصوب المبردة.

أما عندنا في مصر فإن حدائقنا النباتية تحتاج فقط بعضاً من الصوب المدفأة لتربية بعض نباتات المناطق الاستوائية الحارة التي تفشل زراعتها في العراء، ولحماية بعض النباتات التي لا تتحمل برودة الشتاء - في الوقت الذي مكن خفض درجات الحرارة نسبياً داخل هذه الصوب خلال أشهر الصيف لتوفير احتياجات بعض نباتات المناطق الباردة.

بعض الحدائق النباتية تتخصص في زراعة الأشجار فقط دون باقي نباتات المملكة النباتية وتعرف عندئذ بالأربوريتم، وهذه أيضاً يجب أن توزع بها الأشجار مرتبة تبعاً للعائلات أو الأجناس لتسهيل أعمال البحث العلمي والتعليم، ويتحقق ذلك أكثر بوضع لافتة على كل شجرة موضح عليها : الاسم العلمي - الاسم الانجليزي - اسم العائلة - وكذلك الموطن الأصلي كما يمكن وضع تاريخ للزراعة وبعض الصفات المميزة لهذه الشجرة.

بصفة عامة يمكن القول بأن الحدائق النباتية ما هي في الحقيقة إلا متاحف مكشوفة أو فصول دراسية مفتوحة في الهواء الطلق لدراسة خواص نمو النباتات تحت الظروف الطبيعية - ومن ثم تترك النباتات على طبيعتها دون تقليم أو تهذيب ( إلا تحت ظروف اضطرارية كأن يوجد مثلاً فرع مصاب بمرض يصعب علاجه ويخشى انتقال الإصابة منه لباقي أجزاء الشجرة أو للأشجار المجاورة أو وجود فرع مكسور، فلابد من تقليمه حتى لا يتشوه شكل الشجرة ) .. على أن يسجل هذا كله في سجلات خاصة بكل شجرة ويحتفظ بها كوثائق هامة بالحديقة.

إضافة إلى ما سبق فإن الحدائق النباتية تفيدنا في دراسة صلاحيات النباتات للاستعمال كنباتات زينة أو استغلالها في إنتاج الخشب أو غيرها من الأغراض - دراسة تأثير نقل الأشجار من بيئتها الطبيعية إلى نوع آخر من البيئة في نفس المنطقة: فمثلاً هناك نباتات تنمو بطبيعتها في الصحاري ولكننا لا نعرف شيئاً عما سيحدث لها إذا زرعت في الأراضي العادية ( والعكس بالعكس ).

كذلك النباتات التي تنمو على الجبال والمرتفعات يمكن دراسة تاثرها بالزراعة في الوديان المنخفضة - أيضاً يمكن دراسة أثر هذه النباتات على البيئة ( حرارة - رطوبة - حركة الهواء - الضوضاء - التلوث ).

الحدائق النباتية يمكن أن تجمع بين أغراض البحث العلمي والتعليم، وبين نزهة وسياحة الجمهور، على غرار ما هو حادث في حدائق كيو النباتية القريبة من لندن وحديقة باريس وبرلين ونيويورك النباتية - وعندنا في مصر: حديقة الأورمان النباتية وحديقة جزيرة النباتات بأسوان، بل أن هذا هو ما يجب اتباعه في مصر نظراً لقلة المتنزهات العامة بها وللعمل على غرس حب النباتات واحترامها بين طبقات الشعب بمختلف طوائفه ( خاصة النشئ الجديد )، إذ أن الحديقة النباتية بما تحويه من أقسام مختلفة مثل: حديقة الورد، الحديقة المائية، حديقة النباتات الشوكية والعصارية وما تحتويه من مجاميع نباتية مختلفة سواء كانت أشجار أو شجيرات منها الورقي ومنها المزهر، وما بها من مجموعات عشبية متنوعة، تعتبر متنزهات عامة لا يملها الزوار لاختلاف وتنوع أجزائها خاصة إذا روعي عند تصميمها زيادة مساحة المسطحات الخضراء بها مع إقامة بعض المنشآت الضرورية لروادها كالمقاعد والبرجولات والمقاصف ودورات المياه وكل ما يهيء لهم أسباب الراحة والاستمتاع.

ويفضل بصفة عامة أن تصمم الحدائق النباتية والأربوتورتم على الطراز الطبيعي نظراً لكبر مساحتها عادة وتنوع نباتاتها واختلافها في طبيعة نموها وللحاجة بتركها تنمو نمواً طبيعياً بدون قص أو تقليم، وكذلك الحاجة إلى تجميع نباتاتها في فصائل أو عائلات تحوي الكثير من النباتات المتباينة الشكل والحجم والتي قد لا تصلح للطراز الهندسي نظراً لعدم تجانسها ولكن يمكن تصميم بعض أجزائها  كحديقة الورد وحديقة الصبارات على الطراز الهندسي بشرط عمل سور نباتي حولها يفصلها ويحجبها عن باقي أجزاء الحديقة.

مكونات الحديقة النباتية

علاوة على المجموعات النباتية الحية الموجودة بالحديقة النباتية، فإنها تشمل أيضاً على مجموعة من النباتات المجففة المحفوظة فيما يعرف بالمعشبة النباتية، وكذلك على مكتبة لعلوم النبات والعلوم المتصلة به، ومتحف ومعامل ( معمل متخصص لإكثار النباتات بزراعة الأنسجة ) ومشتل مدعم ببعض الصوب الزجاجية والخشبية لإجراء عمليات الإكثار والأقلمة، مكتب خاص لجمع وتبادل البذور مع الحدائق المناظرة في الدول الأخرى، وقد يلحق ببعضها قاعة للمحاضرات والعرض السينيمائي ( أو الفيديو ).

والمجموعة النباتية المجففة التي ذكرناها منذ قليل يطلق عليها أحياناً ( Hortus Siccus ) وهي مجموعة من العينات النباتية المحفوظة معرفة بأسمائها العلمية ومصنفة وفقاً لنظام تقسيمي معين، ومن أكبر المجموعات النباتية الموجودة في العالم نذكر منها ما يلي:
1. مجموعات حديقة كيو الملكية بانجلترا وتضم أكثر من 6.5 مليون عينة.
2. مجموعة الحديقة النباتية في نيويورك: وتضم أكثر من 3 مليون عينة.
3. المجموعة النباتية لحديقة لينجراد - روسيا وبها أكثر من 4.5 مليون عينة.

هذا بالإضافة الى مجموعات أخرى في المانيا، فرنسا، استراليا، اسكتلندا، ايطاليا، سنغافورة، إسرائيل وأنحاء أخرى متفرقة على ربوع كرتنا الأرضية، في الوقت الذي توجد فيه مجموعات محدودة بحديقة الأورمان النباتية وقسم بحوث الفلورا وتصنيف النباتات بالمتحف الزراعي بالدقي وبعض كليات العلوم بجمهورية مصر العربية.

وتفيد المجموعة النباتية في إعطاء صورة كاملة واضحة عن العينات المحفوظة أكثر من الوصف بالكلمات أو حتى التعبير بالرسومات والصور الفوتوغرافية، كما أنها تستخدم في المقارنة بالعينات الجديدة للتعرف عليها، وكذلك على الدراسات الخاصة بالنباتات التي لا يتيسر وجودها، ناهيك عن استخدامها في التدرس كنماذج شبه حية لطلاب الدراسات والبحوث.

وبالطبع فإن إعداد العينة النباتية يمر بالعديد من المراحل الهامة نجملها فيما يلي:

1. الجمع Collecting

ويتم إما بجمع أكثر من عينة للنوع النباتي الواحد في مختلف مراحل النمو على أن تكون مجموعة من أماكن متفرقة وبيئات مختلفة، أو يكتفى بجمع عينة واحدة تحتوي على كل الأعضاء بما في ذلك الجذور والأزهار والثمار، على أن يقوم جامع العينات بتسجيل كافة البيانات اللازمة بمجرد جمع العينة.

2. الضغط Pressing

حيث تضغط كل أعضاء النبات لتصبح في مستوى واحد، وذلك بفرد النباتات قبل ذبولها في طبقات أفقية بين أفرخ ورق نشاف سميك أو اي ورق مماثل له قدرة على امتصاص الرطوبة من العينات ثم تضغط بين دفتي الضاغط الخشبي، ويمكن الاستعانة بوضع بعض الأثقال المناسبة فوق اللوح الخشبي العلوي للضاغط للإسراع من عملية التجفيف ( كتل من الحديد أو الأحجار أو صناديق مملوءه بالرمل )، بشرط عدم سحق العينات النباتية أو تلفها ( توجد الآن ضواغط آلية حديثة تعمل بكفاءة أفضل من الضاغط الخشبي ).

3. التجفيف Drying

قد تترك العينات لتجف طبيعياً في الضاغط - ولكن يفضل بعد ضغط العينة لعدة ساعات نقلها بين ألواح مثقبة من الألومنيوم يمرر عليها تيار من الهواء الساخن بعد تغطيتها بقماش سميك، وفي بعض المعامل الحديثة يوضع الضاغط بما فيه من عينات داخل مجفف كهربائي مزود بمراوح كهربائية، تدفع الهواء الساخن ليمر عبر ( خلال ) العينات فيجففها في أسرع وقت ممكن.

4. التحميل Mounting

حيث ترفع العينات الجافة برفق من الضاغط، ثم تلصق على لوحة مستطيلة من الورق المقوى الأبيض ذات مقاسات موحدة وتثبت بالصمغ أو بالشرائط المصمغة، ويجب تحميل نبات واحد مهما كان حجمه على لوحة واحدة، ثم توضع البطاقة المميزة في الركن الأيمن السفلي من اللوحة وعليها البيانات.

5. الحفظ والتخزين Preservation and Storage

يمكن حفظ النماذج النباتية بعد تحميلها في خزائن خاصة مصنوعة من الصلب أو دواليب مصنوعة من الصاج المجلفن الغير قابل للصدأ للوقاية من الحرائق، على أن ترتب وفقاً لنظام من نظم التقسيم المعروفة مع اتباع طرق الوقاية الكافية لمنع مهاجمة الحشرات لمحتويات المجموعة النباتية إذ أنها تشكل الخطر الرئيسي عليها.